- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠1 ربيع القلوب 1 - أحاديث عام 2019
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله على إحسانه ، والشكر لله على توفيقه وامتنانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأخوانه ، ومن سار على نهجه ، واقتفى أثره، واستن بسنته ، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين .
وبعد ؛ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسعد الله أوقاتكم أينما كنتم بكل خير مرحباً بكم في برنامجكم اليومي : "ربيع القلوب" برنامج قرآني إيماني نقف من خلاله على بعض آيات الله البينات تدبراً ، وتأملاً ، وعملاً .
"ربيع القلوب" يتهادى إلى مسامعكم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة .
باسمكم يسعدني جميعاً أن أرحب بضيفنا الدائم فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي أهلاً وسهلاً بكم شيخنا ..
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ بلدكم .
المذيع :
آمين جزاكم الله الخير .
مسمع صوتي عن آيات اليوم ، ثم نعود مع شيخنا لنقف معه حولها تأملات وخواطر ، يقول ربنا جل وعز :
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾
في مناسبة هذه الآية لما قبلها :
﴿ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
تحدثت الآية التي قبلها عن خلق السماوات والأرض ، وهذا هو الكتاب المنظور فجاءت هذه الآية لتتحدث عن كتاب الله المسطور .
شيخنا بارك الله بكم بداية لو تحدثنا عن كتاب الله المنظور ، وكتاب الله المسطور ، جزاكم الله خيراً ؟
أصل الدين معرفة الله :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .
أخي الكريم بارك الله بك ؛ الكون قرآن صامت ، والكون كون ناطق ، والنبي قرآن يمشي ، أي هناك آيات كونية ، و آيات تكوينية ، و آيات قرآنية ، والآيات هي القنوات الثلاثة السالكة لمعرفة الله ، فإذا أردنا أن نعرفه يمكن أن نعرفه من خلقه تفكراً ، ومن أفعاله نظراً ، ومن كلامه تدبراً ، قنوات ثلاثة سالكة نقية آمنة لمعرفة الله ، وأصل الدين معرفة الله ، لماذا ؟ إنك أيها الإنسان إذا عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته ، فإذا عرفت أمره ولم تعرفه تفننت في معصيته ، لذلك الآمر قبل الأمر .
أنت حينما تؤمن أن هذا الشرطي حينما تخالف الإشارة الحمراء يمكن أن يسجل عليك المخالفة ، وواضع قانون السير بإمكانه أن يسحب منك الإجازة ، أو أن يرسم عليك غرامة كبيرة ، فأنت حينما تعلم أن علم القوي يطولك ، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، هذا الشرطي ، أو هذه الكاميرا ، حينما تسجل مخالفتك في السير فهناك متاعب كبيرة ، هناك غرامة كبيرة ، أو سحب إجازة ، أو حرمان من القيادة سنة في بعض البلاد ، فأنت حينما تؤمن أن واضع القانون علمه يطولك وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه .
الآن إلى القران الكريم :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
نقطتان ، الآن بعد النقطتين ملخص الملخص :
﴿ِلتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، لا يمكن أن تعصيه ، هذا الإيمان إيمان متكامل .
العبرة بالمآلات :
هناك جانب تفكري ، جانب عقدي ، جانب سلوكي ، جانب جمالي .
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء))
فلذلك لا بد من أن نفهم حقيقة الدين ، أما التقاليد ، والعادات ، والأعراف ، والفهم المبستر ، والفهم المجتزئ ، والفهم الغير صحيح لأخطر شيء بحياتنا وهو الدين خطأ كبير ، له مآلات مؤلمة جداً ، العبرة بالمآلات ، هناك موت ، ماذا يوجد بعد الموت ؟ جنة للأبد ، أو نار للأبد ، فالحياة الدنيا طارئة ، محدودة ، الآخرة ممتدة ، فالبطولة أن تعيش المستقبل ، مع أن ثلاثة أرباع أهل الأرض إن لم أقل تسعين بالمئة منهم يعيشون لحظتهم ، وهمهم الرفاه .
كنت مرة بأمريكا ، ولما عدت إلى بلادي ، سُئلت : ماذا رأيت ؟ قلت : رأيت شعباً يعيش لحظته فقط ، وهمه الرفاه ، الموت لم يدخل في حسابه إطلاقاً ، الآخرة ، البرزخ ، الجنة، النار ، الإله العظيم ، الذات الكاملة ، عظمة هذا الدين المعاني التي ترقى بالإنسان بعيدون عنها ، لذلك : إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، وإلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً .
المذيع :
جميل شيخنا ، الآية التي بين أيدينا :
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾
عند قوله :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾
لو نقف عند قوله :
﴿ وَأَقِمِ ﴾
الصلاة اتصال بالقوي و تخلق بأخلاقه :
الدكتور راتب :
الصيام يسقط عن المريض والمسافر ، والحج يسقط عن الفقير والمريض ، والزكاة تسقط عن الفقير ، والشهادة تنطق مرة واحدة ، أما الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال فهو الصلاة ، لذلك لابد من أن تصلي في جميع الأحوال ، قائماً ، أو قاعداً عند الضرورة ، أو مضطجعاً أو مستلقياً ، ولو بإيماءة عينيك ، أو بهز رأسك ، هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال ، لِمَ ؟ هذا الفرض يسمح لهذا الإنسان الضعيف أن يتصل بالقوي ليكون قوياً ، يسمح لهذا الإنسان الجاهل أن يتصل بالعليم ليكون عالماً ، يسمح لهذا الإنسان قاسي القلب أن يتصل بالرحيم ليكون رحيماً ، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ، أي أكبر مكسب يتحقق في الدنيا أن تتخلق بأخلاق الله ، وأن تلقى الله بأخلاق الله ، برحمةٍ ، وإنصافٍ ، وعدلٍ ، وحكمةٍ ، ولطفٍ ، وإقبال ، فلذلك إذا ألغيت الصلاة ألغي الدين كله، الصلاة عماد الدين .
الخيمة أخي الكريم قماش ، لكن يوجد عمود في الوسط يجعلها خيمة ، فالصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها فقد هدم الدين ، ولا خير في دين لا صلاة فيه .
لكن أية صلاة ؟ الصلاة التي في الحقيقة إقبال على الله ، ومتى يقبل الإنسان في صلاته على الله ؟ تحجبه الذنوب ، الذنب حجاب ، وكلما كثرت وتنوعت ازداد الحجاب غلظة ، فالمعاصي ، والآثام ، وأكل المال الحرام ، والتطلع لغير الزوجة ، والجلوس في مجلس لا يرضي الله ، وكل المحرمات ، والآثام ، والمعاصي ، والمخالفات إذا فعلت أنشأت حجاباً بين العبد وربه، عندئذٍ تؤدى الصلاة أداءً شكلياً لا قيمة له ، هذا الأداء الشكلي ممل ، وبعد حين تترك الصلاة ، أما إذا كان هناك استقامة تتصل بالجميل ، بالقوي ، بالرحيم ، بالحكيم .
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء))
فحينما نختزل الصلاة إلى حركات ، وسكنات ، تفتتح بالتكبير ، وتنتهي بالتسليم ، ولم نفهم معانيها ، ولا قيمتها ، ولا نتائجها ، ولا مآلاتها ، نكون قد أخطأنا خطأ مدمراً .
(( ولن تُغْلَبَ أُمَتي))
لن لتأبيد المستقبل .
(( مِنْ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
فإذا كنا مليارين الآن على وجه الأرض يوجد مليارا مسلم ، ليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، لأنهم ما طبقوا منهج الله كما ينبغي .
المذيع :
والله المستعان ، شيخنا في قوله تعالى :
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾
هنا أمر موجه للنبي عليه الصلاة والسلام نريدكم شيخنا أن تتحدثوا عن أنواع الأمر الموجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الأمر موجه له صلى الله عليه وسلم فقط ؟
كل أمر موجه إلى النبي موجه حكماً إلى أمته من بعده :
الدكتور راتب :
لا ، هناك قاعدة أصولية أن كل أمر موجه إلى النبي موجه حكماً إلى أمته من بعده، حكماً آلياً .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾
أي يا أيها المؤمنون في الأرض ، في بقاع الأرض من آدم إلى يوم القيامة اتقوا الله ، أي أمر موجه إلى النبي الكريم موجه حكماً إلى أمته .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى ﴾
الفرق بين الرادع و الناهي :
هناك فرق كبير جداً بين الرادع والناهي ، أحياناً الإنسان يكون هناك إشارة حمراء الساعة الثالثة ليلاً ، ولا يوجد شرطي فيتجاوزها ، أما في النهار فلا يتجاوزها ، يوجد شرطي ، يوجد رادع .
أما المؤمن فالذي يدفعه إلى طاعة الله محبته له ، فلا يتأثر المؤمن لا بوجود مانع ، ولا رادع ، ولا مراقب ، ولا كاميرا ، هناك فرق .
أذكر مرة كنت في الحج ، واشتريت أضحية ، وأخذت إيصالاً بها ، أول مرة أمزق هذا الوصل ، لأنه لله ، الله لا يحتاج لا إلى وصل ، ولا إلى بيان ، ولا إلى توثيق ، ولا إلى توقيع ، فالإنسان عندما يتعامل مع الله تعاملاً رائعاً جداً لا يحتاج إلى وسائط ولا إلى تعقيدات .
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء))
المذيع :
شيخنا ، في قوله تعالى :
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
ما نوع الصلاة التي تنهي صاحبها عن الفحشاء والمنكر ؟ وكيف تكون الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر ؟
الصلاة لا تقطف ثمارها إلا عند الاستقامة على أمر الله :
الدكتور راتب :
قبل ، عندنا صلاة جمعها صلوات ، وعندنا صلة ، الإنسان بالدعاء يتصل بالله ، يناجي الله ، بالاستغفار يتصل ، بالتوبة يتصل ، هناك نشاطات كثيرة تحدث اتصالاً ، أما الصلاة فلها هيئة ، لها حركات ، لها سكنات ، لها قراءات ، لها ركوع ، لها سجود .
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾
الحقيقة أهم شيء بإقامة الصلاة أن يكون معك خط ساخن مع الله ، الخط الساخن أساسه الاستقامة ، فإذا كان هناك أكل مال حرام ، إذا كان هناك عدوان على الزوجة ، على الأولاد ، على الموظفين ، على الأصحاب ، إذا كان هناك كسب مال حرام لا يرضي الله ، إذا كان هناك سهرات مختلطة لا ترضي الله ، إذا كان هناك أكل ربا ، وأكل مال بمعصية ، هذه كلها تحجب عن الله ، فإذا حجب الإنسان عن الله بهذه المعاصي أصبحت الصلوات مملة ، ليس لها معنى ، أي لا يمكن أن تنعقد صلة مع الله مع معصية ، مع مخالفة ، مع عدوان ، مع كسب مال حرام ، مع اختلاط لا يرضي الله ، فالبطولة هذه الصلاة لا يقطف ثمارها إلا من يستقيم على أمر الله ، لكن العلماء قالوا كلاماً مقبولاً أحياناً : سقط الوجوب ولكن أحياناً لم يحصل المطلوب ، سقط الوجوب .
القراءة بتمعن و الركوع و السجود يمنحون الصلاة حيوية وتألقاً وقرباً من الله:
لسان بعض الناس الآن أرحنا منها ، ماذا قال النبي الكريم ؟
(( أرِحْنا بها ))
مسافة كبيرة جداً بين أرحنا منها وبين أرحنا بها .
(( يا بلالُ أرِحْنا بها ))
الإنسان بالصلاة يقف بين يدي محبوبه ، يناجي خالق السماوات والأرض ، يقول له:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
انتهت الفاتحة :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾
هذه الصراط المستقيم ، قل الحق .
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾
الآيات التي تتلو قراءة الفاتحة هي رد إلهي على سؤالك له :
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
الركوع خضوع لله ، ربي سمعاً وطاعة ، هذا الركوع ، السجود يا ربي أعني على طاعتك ، مدني بقوة منك ، مدني بقلب يتمنى لقاءك ، صار هناك فاتحة ، قراءة ، ركوع ، سجود ، هذه المعاني تعطي الصلاة معنىً عميقاً ، تعطي الصلاة حيوية ، تعطي الصلاة تألقاً ، تعطي الصلاة قرباً من الله ، تعطي الصلاة :
(( أرِحْنا بها ))
لا أرحنا منها ، أما الصلاة إن لم تقطف ثمارها فهناك مشكلة كبيرة ، يجب أن نبحث عنها ، الإله العظيم ، خالق السماوات والأرض ، هل يقبل منك أن تقف وفكرك بالمال وبالدنيا وبفلانة وعلانة والصفقة الفلانية والتاجر المنافس لك ؟ هذه كلها أثناء الصلاة ، وتركع ، وتسجد، الإله العظيم هذه الصلاة ترضيه ؟ يليق به تأدية العبادة بهذه الطريقة ؟ لماذا وعود الله معطلة للمسلمين ؟ نحن معنا فوق الخمسين وعداً بالنصر ، كلها غير محققة ، لأنه لا يوجد إقبال على الله ، هذا الإسلام فكر ، أيديولوجيا ، عقيدة ، وسلوك سلبي استقامة ، وسلوك إيجابي عمل صالح ، ثم اتصال بالله ، هذه كليات الدين ، فكر ، أيديولوجيا ، عقيدة ، جانب سلبي ، استقامة ، جانب إيجابي ، عمل صالح ، جانب حيوي ، اتصال بالله عز وجل ، هذه كليات الدين ، فالكلية إذا نسينا واحدة ألغينا الدين كله .
المذيع :
شيخنا ، في قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى ﴾
الصلاة من دون استقامة لا تحقق غايتها :
الدكتور راتب :
الحقيقة النهي داخلي
لا يمكن أن تصلي وتتصل ثم يأكل الإنسان المال الحرام ، ثم يعتدي على من حوله ، ثم يكذب ، ثم يغش في بيعه وشرائه ، أقول لك كلاماً دقيقاً ، والحقيقة المرة عندي أهون ألف مرة من الوهم المريح ، الصلاة من دون استقامة لا تقطف ثمارها ، لا تحقق غايتها ، لا يمكن أن تنقلك من حال إلى حال ، أو من موقف إلى موقف ، الرقي ، والتطور ، والإقبال على الله ، وقطف ثمار هذا الدين بصلاة مقبولة عند الله ، والصلاة المقبولة تحتاج إلى استقامة أولاً ، وإلى عمل صالح ثانياً ، استقامة سلبية ، يا رب أنا ما أكلت مالاً حراماً، أنا ما كذبت ، أنا ما غششت ، أنا ما ظلمت ، وأنا يا رب أنفقت من مالي ، من علمي ، من وقتي ، من جاهي ، وأنا أنجبت أولاداً أربيهم تربية إيمانية ، ما دمت أنت على طاعة الله معك خط ساخن مع الله ، معك قدرة على أن تتصل به ، على أن تقبل عليه ، على أن تتودد له، على أن تناجيه في الليل ، يا رب لا يحلو الليل إلا بمناجاتك ، ولا يحلو النهار إلا بخدمة عبادك .
المذيع :
جميل ، شيخنا ، في قوله تعالى :
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
أكبر من ماذا ؟
من ذكر الله ذكره الله و منحه الحكمة و هي أكبر عطاء إلهي :
الدكتور راتب :
أكبر ما فيها ، أي أنت إذا ذكرت الله ، دقق قال تعالى :
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
إن ذكرته مصلياً وقفت بين يديه ، قرأت الفاتحة وسورة ، ركعت وسجدت ، أنت الآن ذكرته من خلال صلاتك ، وقال الإله العظيم بآية قرآنية :
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
إنك إن صليت كما أراد الله ذكرته ، صليت قائماً ، خاشعاً ، قارئاً للقرآن بعد الفاتحة ، وراكعاً ، وساجداً ، أنت ذكرته ، فإذا ذكرته ذكرك ، فإذا ذكرك ما الذي يكون ؟ يمنحك السكينة ، أكبر عطاء إلهي السكينة ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، إذا ذكرك منحك السكينة ، منحك الرضا ، منحك الحكمة ، أعظم عطاء إلهي الحكمة ، أنت بالحكمة تسعد بزوجتك سعادة كبيرة ، وبلا حكمة تشقى بها وقد تكون أجمل النساء ، بالحكمة تجعل العدو صديقاً ، ومن دون حكمة تجعل الصديق عدواً ، أنت بالحكمة تتدبر أمرك بالمال المحدود ، ومن دون حكمة تتلف المال الكثير .
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾
ما قال ومن يك حكيماً ، ما قال : ومن يسلك طريق الحكمة ، قال :
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ ﴾
إنها تؤتى ولا تؤخذ ، وهي أكبر مكافأة للمؤمن ، يسعد بها ولو فقد كل شيء ، سيدنا يونس أين رأى هذه السعادة ؟ ببطن الحوت .
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
سيدنا إبراهيم رآها في النار :
﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
هناك مواقف مذهلة ، والمؤمن لا بد من أن يرى بعض هذه المواقف ، هذه تسمى كرامة ، خرق العادات للأنبياء معجزات ، أما عناية الله للمؤمن فكرامات ، من علامة المؤمن له كرامة عند الله ، أحدها التوفيق ، أحدها فهم كتاب الله ، أحدها زواج صالح ، أولاد أبرار ، أحدها عمل صالح كبير ، أحدها مكانة اجتماعية ، لذلك قيل :
(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))
لن تحصوا خيرات الاستقامة .
المذيع :
شيخنا بارك الله بكم ، ما مناسبة قول الله عز وجل ؟
﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾
في آخر الآية .
معية الله عامة و خاصة :
الدكتور راتب :
أي أنت في قبضة الله ، وفي علم الله ، حركاتك ، وسكناتك ، وخواطرك ، وتصوراتك، ومشاريعك ، وتفكيرك ، وعقلك الباطن ، ونواياك ، كلها في علم الله .
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ َ﴾
بعلمه :
﴿ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾
معكم بعلمه أينما كنتم ، هذه معية عامة ، ولكن المؤمن له معية خاصة .
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾
معهم بالنصر ، والتأييد ، والحفظ ، والتكريم ، والتيسير ، وكل شيء تتمناه يأتي من معية الله لك ، ملخص الملخص : "إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا ربي ماذا وجد من فقدك ؟ وماذا فقد من وجدك ؟"
المذيع :
شيخنا ، ماذا يعني عندما تؤدى الصلوات الخمس في أحسن حال تكون مانعة من فحش أعمال القلوب ، ومانعة من منكرات الجوارح ؟
إتقان الصلاة يمنع من فحش أعمال القلوب و منكرات الجوارح :
الدكتور راتب :
هذه الصلاة حينما تتقن تشتق من الله نوراً :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾
أي إنسان على وجه الأرض كائناً من كان حريص على سلامته ، وسعادته ، واستمراره .
إنسان يركب مركبته ، وفيها إضاءة قوية ، رأى حفرة يتجاوزها ، يبتعد عنها ، رأى صخرة يبتعد عنها أليس كذلك ؟
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾
أي لكم الجنة والدنيا .
الآن :
﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾
صار بقلبك نور ، هذا النور يكشف لك الحقيقة ، يكشف لك الخطر ، يكشف لك النجاح ، يكشف لك الصواب ، الاستقامة ، الحكمة ، الموقف الحكيم ، نور ، نور الله ألقي في قلبك .
﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ ِ﴾
الجعل يأتي بعد الخلق .
﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾
هذه الصلاة ، الصلاة شيء كبير جداً ، أنت تستمد نور الله ، تأخذ من حكمته حكمة، ومن علمه علماً ، ومن رحمته رحمة ، ومن التوفيق توفيقاً .
المذيع :
المضامين التربوية التي تشير إليها هذه الآية ؟
المضامين التربوية لإنجاح الصلاة :
الدكتور راتب :
الصلاة عماد هذا الدين ، كل وسائل إنجاح الصلاة ينبغي أن نأخذ بها ، منها العلم ، العلم جانب أيديولوجي عقلي ، منها الاستقامة جانب سلبي ، منها جانب إيجابي العمل الصالح، الخدمة ، العطاء .
يقع على رأس الهرم البشري ثمانية مليارات مليون ، زمرتان ، الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، والأنبياء في غيبتهم ، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي .
فكل البطولة أن تكون من أتباع الأنبياء ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، فإذا كنت مع الأنبياء تعطي قبل أن تأخذ ، وترحم قبل أن تقسو ، وتنصف قبل أن تظلم ، وتتحبب إلى من حولك قبل أن تجفو عنهم .
خاتمة و توديع :
المذيع :
بارك الله فيكم شيخنا وشكر لكم .
والشكر موصول لكم أنتم أخواني وأخواتي على طيب المتابعة ، وجميل الاستماع إلى الملتقى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته